دور مشتقات المالية في انتشار الازمات : دراسة مقارنة

Abstract

منذ القديم ظهرت المعاملات الآجلة كطريقة للتّحوُّط من مخاطر المعاملات التجارية الناجمة عن إحتمال تلف السلع والمحاصيل الزراعية بسبب عدة عواملكسوء التخزين وبعد المسافات، وقد حملت هذه المعاملات في جوهر معناها ما تحمله اليوم معاملات المشتقات المالية، كما شهد التعامل بهذه التقنيات تطورات متزامنة مع التطورات التي عرفتها الأنشطة التجارية والمالية وظهور الأسواق المالية وتطور وسائل وآليات الدفع، حيث أدّى ذلك إلى تطور وإنتشار التعامل بعقود المشتقات على مختلف الأصول المادية والمالية وغيرها كما تجاوز إستعمالها أغراض إدارة المخاطر إلى إستعمالهالأغراض المضاربة وتحقيق الأرباح وهو ما أدّى إلى حصول بعض الإضطرابات والأزمات المالية نتج عنها قرارات بتقييد أو حظر التعامل بهذه العقود،ونظرالإستحالة التخلي عن دورها في النظام المالي والإقتصاديلم يكن هناك بديل عن عودة التعامل بها. لقد كان للزخم الذي رافق الأزمة المالية التي شهدها العالم سنة 2008 إنعكاسا مماثلا على تفاصيلها وأسبابها والتي شملت عقود المشتقات المالية بشكل أساسي حيث تمّ إعتبارها من الأسباب الرئيسية والمباشرة التي أدّت إلى الأزمة مع ظهورإقتراحاتبتضييق التعامل بها نظرا لمساوئها المطلقة، غير أنّ البحث الدقيق في حيثيات أزمة 2008 وخصائص عقود المشتقات يظهر صحة إعتبار المشتقات المالية من أسباب أزمة 2008 -إضافة إلى أسباب أخرى- ويرجع ذلك إلى إنحراف إستعمالها عن الغرض الأساسي منها وتزايد شدة تعقيدها وضخامة صفقاتها الجارية خاصة خارج الأسواق المنظمة، وتداخلها مع منتجات التوريق عالية المخاطر، وبالتالي فإن غياب هذه العقود لم يكن ليمنع وقوع أزمة 2008 . لم تكن أزمة 2008 أول أزمة تكون فيها المشتقات عاملا أساسيا في وقوعها، حيث ساهمت هذه المعاملات في وقوع الأزمة الآسيوية سنة 1997 ، وذلك بسبب هشاشة الأسواق الناشئة وعدم أهليّتِهالإستقبال معاملات المشتقات وضعف أنظمتها الرقابية والتنظيمية، والإرتباط المباشر بين صفقات المشتقات والأسباب المباشرة للأزمة الآسيوية. تعتبر عقود المشتقات المالية من المعاملات التي لا يمكن الإستغناء عن دورها الأساسي في الأنظمة المالية والإقتصادية، كما قد لا يمكن تحمل تكلفة المخاطر التي تنجم عن سوء إستخدامهاأو طويرها، لذا فهي تعتبر من المواضيع قيد النقاش على الساحة الاقتصادية العالمية من حيث القوانين المنظمة لها.