واقع الدولة الوطنية في ظل التكتلات الإقتصادية : الإتحاد الأوروبي أنموذجا

Abstract

تعتبر الدولة وحدة ذات أهمية بمكان في تحليل وتفسير تحركات وتفاعلات العلاقات الدولية على اختلاف الرؤى والمرجعيات لمختلف المدارس الفكرية. هذه الوحدة التي تعتبر داخليا مؤسسة المؤسسات، كما أنها تتفاعل خارجيا من خلال تحركاتها في نطاق ثنائي أو متعدد الأطراف، لتعبر عن الأهداف التي تصبو إليها من خلال توجهاتها سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي. إلا أنه في سياق التفاعلات الدولية خصوصا في عالم اليوم المعولم تداخلت وتفاعلات الأنساق بين مختلف الكيانات؛ حيث أضحت التكتلات الاقتصادية الدولية من أهم خصائص النظام الاقتصادي الدولي الجديد، والتي تعكس درجة عالية لكثافة الاعتماد المتبادل، تقسيم العمل الدولي، التجارة الدولية والأسواق المالية، حيث شكلت نهايـــة الحــــــرب الباردة وأوائل التسعينيات من القرن الماضي منعطفا حاسما، وذلك من خلال جملـــــة التغيرات والتحديات الجديدة التي أفرزتها على جميع الأصعدة الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية والمؤثرة بقوة على سيادة وأدوار الدول ووظائفها التقليدية وأركانها . في خضم هذه التحولات التي تميزت بميل بارز نحو عولمة الاقتصاد؛ لجأت بعض الدول إلى إقامة تكتلات اقتصادية فيما بينها للمنافسة وفرض الوجود في المجتمع الدولي ومواجهة مختلف التحديات أهمها تحدي العولمة الاقتصادية، والخروج بأكبر الفوائد المالية والتجارية في ظل التشابك المعقد لمنظومة المصالح الاقتصادية، وتنشيط حركة التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، إلى جانب تحرير حركة السلع والخدمات وتنقل الأشخاص، وتعويض نواقص العمل داخل الإطار الوطني الضيق أو القفز إلى امتيازات الاقتصاد المعولم والواسع. وبهذا؛ أصبحت الدولة الوطنية -مخيرة أحيانا ومجبرة أحيانا أخرى- ذات وضع منكشف نسبيا مقارنة بالسابق، وعلى جميع الأصعدة. وتعزز ذلك بإقرار إجماع واشنطن على ضرورة الانسحاب الكلي للدولة من السوق وما له من تبعات على سيادة الدول، ومنه الاتجاه المتزايد نحو تدويل السلع ورؤوس الأموال والأفكار على مستوى العالم وبالتالي؛ تجـاوز الولاءات القديمة للوطن أو الأمة إلى ولاءات جديدة، وذلك ببروز قوى إقليمية ودولية أصبحت تنافس الدولـة سواءً كانت المنظمات الحكومية أو غـير الحكومية، إقليمية ودولية بمختلف مجـالاتها واختصاصات عملها.