الهجرة غير الشرعية وتداعياتها على العلاقات الأورومتوسطية

Abstract

إن التغيرات والتحولات التي شهدها عالم القرن العشرين ، بدءا من شمولية السياسة الدولية وتحولات العالم نحو الإقليمية ونمذجة أنظمة الدولة السياسية ، كان لها الأثر المباشر في إحداث تغييرات بنيوية في السياسة العالمية ، وفي ظهور وتغير مضمون العديد من المفاهيم التي كانت سائدة أثناء الحرب الباردة ، ويأتي في مقدمتها مفهوم الأمن وما شهدته الدراسات الأمنية من انتقالها من الطابع العسكري التقليدي إلى الطابع العسكري - النووي ثم إلى طابع " مجتمعي-بشري " ،وذلك بفعل تحول طبيعة وبنية التهديدات ضد أمن الدول ، المجتمعات والأفراد ، التي لم تعد محل تهديد من قبل دول بذاتها حيث كانت تتبنى سياسات دفاعية لضمان أمنها الوطني المرتبط بصيانة الحدود والحفاظ على السيادة الوطنية ، بل إن أمن الدول والمجتمعات والأفراد أصبح مهددا من قبل نمط جديد من الأخطار والتهديدات غير العسكرية ذات طابع مجتمعي ، وهذا الأمر يتطلب استجابة ومعالجة جديدة ومختلفة حسب طبيعة هذه التهديدات وتكون بتعاون جميع الأطراف وتنسيق كل الجهود لدرء هذه الأخطار واحتوائها . فإدخال القضايا الأمنية غير التقليدية والمتمثلة في الأبعاد غير العسكرية للأمن ضمن جداول أعمال ترتيبات الأمن الإقليمي والعالمي ، جعل هناك قائمة طويلة من المشكلات الأمنية التي لا ترتبط بامتلاك واستخدام القوة العسكرية ، بل ومنها الهجرة غير القانونية والمتمثلة في التدفق البشري المفاجئ والمتزايد من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى الضفة الشمالية ، خصوصا المغاربية منها التي عرفت اتساعا وبشكل كبير نحو جنوب القارة الأوروبية . ففي ظل تنامي وتدعيم سياسات غلق الحدود ومنع الهجرة المصحوبة بتنامي المعاداة للمهاجر وتكريس الصورة السلبية له خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وسيطرة الهاجس الأمني على سياسات الهجرة في دول الاستقبال الغربية ، واستمرار أو تفاقم تداعيات العولمة والأزمة الاقتصادية من بطالة وغلاء معيشة ، علاوة على التأثيرات البليغة لعولمة المعلومات عبر وسائل الإعلام والاتصال المتزايدة الانتشار ، كل هذا زاد من عوامل الطرد والرغبة في الهجرة وتفاقم في الهجرة غير النظامية مخلفة مآسي إنسانية تجلت صورتها في قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط والتي باتت مع الأسف ظاهرة متكررة ومتداولة . وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير الشرعية أو غير النظامية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أميركا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بتاتا بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا. ولكن هذه الظاهرة اكتست أهمية بالغة في حوض البحر الأبيض المتوسط نظرا لاهتمام وسائل الإعلام بها، فأصبحت تشكل رهانا أساسيا في العلاقات بين الضفتين.