الاصلاح السياسي في الوطن العربي

Abstract

تتناول الدراسة موضوع "الإصلاح السياسي في المنطقة العربية"وهو من المواضيع التي شغلت حيزا معتبرا من الاهتمام الأكاديمي والسياسي في المنطقة خصوصا خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حيث أعتبرت التوجهات الأمريكية الجديدة المعلنة بخصوص نشرالديمقراطية في البلدان العربية متغيرا مهما أحياالآمال بحدوث تحول فعلي على مستوى بنية نظم الحكم في المنطقة. - ناقش الباحث من خلال هذا العمل قضايا عديدة، بداية بالتأصيل النظري للموضوع والبحث في مضامين التجارب التاريخية المختلفة وأثرها في صياغةمعاني ودلالات مفهوم الإصلاح، وعرض أهم المقاربات النظرية المفسرة لمسار الإصلاح السياسي، ثم التوجهات الإصلاحية التي عرفتها المنطقة وأثرها على منظومات الحكم، وصولا إلى الحراك الإصلاحي الذي عرفته المنطقة العربية خلال العقد الأول من الألفية الجديدة في ظل جدلية الداخل والخارج، وانتهاء بالقضايا المستجدة التي أثارها التحول الجذري في طبيعة المطالب السياسية للشارع العربي في سياق ما يعرف بانتفاضات "الربيع العربي". ومن خلال فصول الدراسة الأربعة التي عالجت إشكالية يدور سؤالها الرئيسي حول طبيعة الاستجابات الرسمية لمطالب الإصلاح السياسي الداخلية وخارجية، و حصيلة الحراك الإصلاحي في المنظومة العربية خلال عقد من الزمن، و مستقبل المسار الإصلاحي في ظل التحولات السياسية العميقة الحاصلة في الوطن العربي عقب انتفاضات الربيع العربي خلص الباحث إلى : بالرغم من التاريخ القصير للدولة الوطنية في الفضاء العربي إلا أن تجربة بناء دولة ما بعد الاستعمار حفلت بالتوجهات الإصلاحية المعبر عنها في أشكال متعددة، غير أن الإصلاحات العربية كانت في معظمها خلال التجارب الماضية تسير وفق منطق التقدم والتراجع، الصعود والنكوص لا منطق البناء والاستمرارية، ولم تكن كل الإصلاحات السياسية، ذات محتوى ومضمون لبرالي، كما لم يكن هدفها بالضرورة الاستجابة لحاجات التطوير والتحسين بقدر ما كانت إصلاحات من أجل الإصلاح، وفي أحسن الحالات من أجل التكيف والتواؤم مع تطورات المحيط. أحدثت المبادرات الخارجية لدعم الإصلاح ونشر الديمقراطية في المنطقة العربية المعلنة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبداية الحرب على الإرهاب، أحدثت حركية غير مسبوقة، وتفاعل واسع النطاق على مستوى المحافل والمنتديات، وأفضت إلى تزايد تردد مفردات الإصلاح في الخطاب الرسمي، والفضاء الإعلامي على الرغم من أن المسعى الأمريكي الغربي كان مفتقدا للمسوغ الشرعي والأخلاقي في أعقاب الحرب التي شنها على العراق، وبعد أن دعم وساند لسنوات طويلة أنظمة دكتاتورية، دون تناسي آثار الماضي الاستعماري ودوره في تشكل حالة من عدم التقبل لما يطرح من القوى الغربية. ليس من الممكن إحصاء عدد المؤتمرات والمنتديات والمحافل المختلفة التي عقدت في الدول العربية بين سنتي 2004 و2009 تحت عنوان الإصلاح والديمقراطية، لكن يمكن بيسر إحصاء مظاهر التقدم الديمقراطي المعدودة، التي اختزلت في بعض الأنشطة الانتخابية، واستصدار المزيد من النصوص والوثائق الدستورية. لم تكن نتائج التقدم الديمقراطي خلال عشرية الإصلاحات ضئيلة فقط على مستوى حجمها وأهميتها وأثرها، بل وضئيلة على مستوى جدية الالتزام بها، ففي العديد من الدول شهدت الممارسة السياسية خلال أوج الحديث عن ضرورة الإصلاح تراجع عن بعض المكتسبات، أي حركة عكسية ضد اتجاه الإصلاح. فخصوصية التجارب الإصلاحية العربية لا تكمن فقط في أنها كانت في معظمها وفق نمط الإصلاح من أعلى، الذي تمسك فيه السلطة الحاكمة بزمام المبادرة، بل إنها تكمن في قدرة تلك السلطة على التراجع عن مكتسبات سبق تحقيقها. هناك عدة عوامل عززت من مقاومة الأنظمة العربية لمسار الإصلاح، من بينها طبيعة بنيتها التقليدية وافتقادها للآليات الضرورية، والأهم افتقادها للإرادة السياسية الجادة، بسبب الخوف من التغيير والرغبة في الحفاظ على المصالح. يرتكز المنطق الإصلاحي على جعل الأنظمة السياسية على درجة من المرونة بحيث تستطيع أن تستوعب المزيد من الطلب الشعبي على المشاركة السياسي، وتتمكن من الوفاء بأعباء مهمة الضبط الاجتماعي، وتتمكن من التكيف مع التغييرات، إن منطق الإصلاح هو منطق استباقي يرمي إلى تجنب الهزات العنيفة، باستيعاب الفعل المطلبي في الأطر السلمية، للحيلولة دون تحولها إلى مطالب راديكالية. ومن ثمة عبرت أحداث الانتفاضات الشعبية التي بدأت في تونس ومصر سنة 2011 عن الفشل الرسمي للمشاريع الإصلاحية.