التداول على السلطة في الدول العربية : دراسة تحليلية مقارنة

Abstract

تُعتبر السلطة ظاهرةً اجتماعيةً تحتاج لنفاذها للقوة المادية وكذا للشرعية والمشروعية، بينما تختلف صور ونماذج ممارستها من مُجتمع لآخر، الأمر الذي ينعكس على تباين أنماط انتقالها، ليكون التداول على السلطة أرقى الأنماط التي توصلت إليها الخبرة الإنسانية، حيث يتم من خلاله صُعود قوى سياسية مُعارضة إلى السلطة ونزول أخرى من السلطة إلى المعارضة عبر الآلية الانتخابية في ظل احترام الدستور، مما يعني عدم جعل الحكم في قبضة شخص واحد أو مجموعة بشكل دائم، وتحقيق التعاقب على الحكم بطريقة دورية. تنطلق الدراسة من إشكالية التداول على السلطة في الدول العربية التي تُقر جميع مُتطلباته الإجرائية، حيث يُعتبر الخيار التسلطي للأنظمة العربية نتيجةً للنشأة الخارجية للدولة العربية، الأمر الذي انعكس على هجينية مُؤسساتها ومن ثم عدم فعالية أدائها، وهذا ما ارتبط بغلبة الأنماط التقليدية والعنفية لانتقال السلطة في المنطقة العربية، ويرجع هذا الخيار التسلطي لعدة اعتبارات مُتداخلة مما يُعزز من أزمة التداول على السلطة، حيث حيث تعرف الدول العربية واقعاً سياسياً مُغلقاً نتيجة ضُعف الأحزاب السياسية ومُؤسسات المجتمع المدني أمام هيمنة أجهزة الدولة من خلال دعم المؤسسة العسكرية لها، وينعكس هذا الواقع على اختراق النصوص القانونية وتجاوزها، كما يتم استغلال الواقع الاقتصادي لتعزيز كينونة النخب الحاكمة، سواء تعلق الأمر بالدول الغنية التي تتبنى خيار التوزيع، أو الدول العربية الفقيرة التي يقوم اقتصادها على المساعدات الخارجية، الأمر الذي انعكس على الواقع الاجتماعي الذي يعرف ضُعفاً في الطبقة المتوسطة، إلى جانب تعددية المجتمعات العربية مما يتسبب في تعميق أزمات الاندماج والهوية فيها، كذلك فإن الواقع الثقافي يعرف غلبة المفاهيم التقليدية البالية نتيجةً لغلبة التراث الديني وضُعف الموروث الثقافي الذي يُكرس للتسلط. وقد تعزز هذا الواقع السياسي المغلق نتيجة الخيارات السلطوية التي تهدف لتكريس الوضع الراهن من خلال تعتيم المجال السياسي، إلى جانب تبني خيار الانفتاح الشكلي الذي يركز على الجوانب الإجرائية، وكذا من خلال افتعال الأزمات واستغلال الواقع الاقتصادي، غير أن هذه الخيارات الضيقة لن تكون مُناسبةً نظراً لعدم مواكبتها لتطلعات المواطنين الذي سيتجهون نحو العنف والاحتجاج، والذي يُمثل مدخلاً للتدخل الأجنبي للتغيير النخب الحاكمة وإقرار الديمقراطية، علماً بالاخفاق الكبير لهذا التدخل وكذا مشاريع الإصلاح الخارجية، الأمر الذي يدفع بضرورة تبني خيارات إصلاحية جادة تُقرها الأنظمة العربية عبر إشراكها لجميع الفاعلين وكذا التركيز على الجانب القيمي، المؤسساتي والتشريعي، وهذا ما يمكن من الاستفادة من التداول على السلطة انطلاقاً من اعتباره وسيلةً تحقق الارتقاء في الأداء السلطوي.