صحافة المواطن والرأي العام : دراسة من منظور دوامة الصمت

Abstract

إنّ من عوامل تجذير مفهوم صحافة المواطن في الأوساط الاجتماعيّة، هو اعتبارها مجالا تتجسّد فيه الحقائق التي لا يجرأ الإعلام التقليدي على عرضها وطرحها، ولقد أربك هذا الاعتبار سياسات التحرير والبرامج، وترتيب الأولويّات على مستوى الإعلام التقليدي، التلفزيوني على وجه خاصّ، إذ برز اهتمام ملحوظ خلال السنوات الأخيرة بمشاغل المجتمع، اهتمام يترجمه توجّه جديد في عقلنة العمل الإعلامي، وإذا نظرنا لطبيعة الإرباك كما يحدث اليوم في العديد من المجتمعات اللبيراليّة والمحافظة، ندرك مدى عمق النشاط التواصلي لصحافة المواطن وأثره في توجيه الرّأي العام وبنائه على نحو يجعل من هذه "الصحافة" سلطة تهدّد السّلطة التقليديّة للإعلام الرّسمي. أمّا إذا نظرنا إلى طبيعة التعايش بين الصّنفين، فإنّنا نجدها تختلف باختلاف الأنظمة السياسيّة والثقافيّة. ففي الدمقراطيات الليبراليّة، تعمل صحافة المواطن عادة على إعادة ترتيب الأولويّات، إذ تحدّد في صدارة الاهتمامات كلّ القضايا التي تأخرت أو تأجّلت معالجتها من قبل وسائل الإعلام الرّسمي، فصحافة المواطن، في هذه الحالة تعيد إنتاج ما يعرف في نظريات الإعلام بـ "وضع الأجندة" (ماكسوال1972)، في حين نجدها في البلدان السّائرة في طريق النموّ تعمل على طرح القضايا التي أقصيت من دوائر اهتمام الإعلام الرّسمي لاعتبارها قضايا لا تنسجم مع سياسة المؤسّسة الإعلاميّة أو مؤسّسة الدولة وتوجّهاتها، فيتمّ إدراجها، والاعتناء بمعالجتها، في مستوى التدوين، على أساس أنّها قضايا المجتمع الحقيقيّة، وصحافة المواطن في هذه الحالة، تفجّر ما يسمّى في نظريات الإعلام بـ : "دوّامة الصّمت" (أليزابيث نيومان 1974)، فيطفو على السطح رصيد المسكوت عنه في السّياسة الإعلاميّة، وهكذا يتخذ مفهوم صحافة المواطن مدلولات مختلفة باختلاف السّياق الثقافي والسّياسي. تفترض نظرية دوامة الصمت أنّ المجتمع ينقسم إلى قسمين، أغلبية سائدة وأقلية صامتة، فمن ينتمي إلى الأغلبية السائدة يتحدث بصوت عال ولا يخشى الانتقاد، وحتى وإن انتقد سيجد من يدافع عنه، أما الأقلية الصامتة فلا يجرؤ المتحدث منها على البوح بما يجول في خاطره، لن يجهر في انتقاده للسائد وإن حاول فلن ينجو من ردة فعل قد تكون قاسية جدّا، فهذه الأقلية تبتلع في دوامة الصمت. ولكن هل مازال تفسير هذه النظرية مقبولا بالنظر إلى ظاهرة صحافة المواطن المتضمنة لمختلف أنواع التواصل الاجتماعي عبر مواقع الانترنت الشهيرة كالفايسبوك والتويتر، هنا نجد أن دوامة الصمت قد بدأت بالسكون، لقد أصبحت هذه النظرية منتهية الصلاحية، وسنسعى من خلال دراستنا هذه إلى إثبات هذا الحكم المسبق، والى حين ذلك سيبقى افتراضا. فبالنظر إلى المدونين والمغردين (tweeters)، وكتاب المنتديات الذين يعبرون عما يؤمنون به نجد أن ما كان بالأمس القريب جزأً صامتا أصبح اليوم صادحا بافكاره وانتقاداته ورؤيته للأمور، هذا ينبئ بأن هناك جيلا جديدا يجهل الصمت وينشأ معبرا عن ذاته وفكره، هذا الجيل الذي لا تعرف نظرية دوامت الصمت إله سبيلا. وفي دراستنا هذه سنحاول قراءة لوحة المتغيرات الهائلة التي تولّدت من ثورة الإعلام والاتصال، وفي مقدّمتها صحافة المواطن، من خلال التطرّق الى وجوه الفائدة والضرر منها، وسنحاول أن نقارب بعضا من الظواهر التي تستوقف الوعي والتي ارتأينا أنها وليدة هذا الاعلام الجديد في مضمار الأداء الاعلامي التقليدي، آملين بذلك أن نوفّر للقارئ مادّة غنيّة يطلّ بها على هذا العالم الجديد الافتراضي والواقعي في آن واحد، بالاضافة الى اسقاط مقترب دوّامة الصمت لنوال نيومان على الواقع المعاش ومحاولة معرفة مدى صلاحية هذا المقترب في ظل التغيرات الحاصلة. خاصة وأن صحافة المواطن استطاعت أن تطرح القضايا التي أُقصيت من دوائر اهتمام الإعلام الرّسمي وأن الفرد أو المواطن لم يعد لديه حاجز الصمت ولا يخشى الوقوع في دوامته لِـمَا توفّره تكنولوجيات الاتصال الحديثة من حرية للتعبير والتدوين والنشر. ومنه فإن السؤال الرئيسي المطروح هو: إلى أي مدى استطاعت صحافة المواطن تخطي حاجز دوامة الصمت في تشكيل الرأي العام؟