دور القوى المتوسطة في النظام الدولي بعد الحرب الباردة : جنوب إفريقيا نموذجا

Abstract

أثبتت بعض الدول قدرتها على آداء وظائف متعددة خدمة للمجتع الدولي، وهو ما يشمل مجالات عدة كتعزيز السلام ومنع الانتشار النووي والتنمية وغيرها، متبعة في ذلك دبلوماسية متمايزة توصف عادة بأنها تميل نحو الحلول متعددة الأطر متعددة الأطراف للمشاكل الدولية، وتشكيل الائتلافات مع الدول متشابهة التفكير، كما تظهر هذه الدول قدرة كبيرة على القيادة، وهي تعتمد في كل ذلك على موارد توصف بأنها ليست كبيرة بقدر القوى الكبرى، ولا محدودة جدا مقارنة بالدول الصغرى، ومن ثم حظيت هذه الدول بوصف "القوى المتوسطة"، وقد هدفت هذه الدراسة إلى الكشف عن العناصر المعرفة للقوة المتوسطة والمحددة لها مقارنة بالقوى الأخرى، إلى جانب رصد أهم أدوراها في بيئات دولية مختلفة، وذلك عبر عرض المفهوم في سياقات نظرية مختلفة تراوحت بين الواقعية والليبيرالية والبنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار التطور التاريخي لمفهوم القوة المتوسطة بحيث تشكلت صورة نمطية عن هذه القوى تصفها بأنها "خلوقة"، كما هدفت الدراسة إلى التحقق من أهم الفرضيات التي صاغتها الأطر النظرية المختلفة بشأن هذه القوى عبر دراسة حالة جنوب إفريقيا التي لطالما أشارت إليها الأدبيات بأنها قوة متوسطة. وقد تمت معالجة إشكالية أساسية تتمحور حول الكيفية التي أسست بها جنوب إفريقيا لدورها كقوة متوسطة في النظام الدولي بعد الحرب الباردة، ومن هنا اكتست هذه الدراسة أهميتها ليس فقط في الكشف عن تلك النقلة النوعية التي شهدها التنظير في مجال العلاقات الدولية عبر توسيع دائرة الاهتمام نحو القوى غير الكبرى، بل وأيضا في اعتمادها مقاربة شاملة تكشف عن مدى النضج النظري المتعلق بهذه الفئة من القوى لاسيما في ظل التنوع الذي تشهده بدء من نهاية الحرب الباردة حيث وفرت جنوب إفريقيا مادة خصبة للتحقق من ذلك، وقد توصلت الدراسة في الأخير إلى أن بريتوريا وباعتمادها دبلوماسية متميزة عقب انتقالها الديمقراطي الناجح سنة 1994 قوامها تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان قد حظيت بوصف المواطن الدولي الصالح، لكنها رغم ذلك لم تستوف كل المتطلبات المادية والسلوكية المتعلقة بالقوى المتوسطة، كما خلصت الدراسة إلى أنه من المبكر الحديث عن نظرية لهذه الفئة من القوى في ظل الغموض الذي لا يزال يطال المفهوم.

Some countries have demonstrated their ability to perform various multifaceted roles in the international community, such as promoting peace, preventing nuclear proliferation, and contributing to development. They employ distinctive diplomacy, often favoring multi-framework, multi-party solutions to international problems and forming coalitions with like-minded nations. Despite not having the resources of major powers or being as limited as smaller states, these countries, referred to as "middle powers," exhibit significant leadership capabilities. This study aims to identify specific elements distinguishing these powers from others and observe their roles in different international environments. It explores the concept within various theoretical contexts, ranging from realism to liberalism and constructivism. The historical evolution of the concept of middle power is considered, portraying them as "civilized." The study verifies hypotheses formulated by various theoretical frameworks through a case study of South Africa, widely recognized as a middle power. The study addresses the fundamental question of how South Africa established its role as a middle power after the Cold War. This study was therefore important not only in revealing the paradigm shift in international relations by expanding attention to non-major powers. and also in adopting a comprehensive approach that reveals the theoretical maturity of this category of forces, especially given the diversity of the end of the cold war, with South Africa providing fertile material to verify this, The study finally found that Pretoria, with its adoption of distinguished diplomacy following its successful democratic transition in 1994, based on the promotion of democracy and human rights, had been described as a good international citizen, but it did not meet all the material and behavioural requirements of the intermediate forces. The study also concluded that it was early to talk about the theory of this category of forces in the still ambiguous context of the concept.